مِحَن الاقتصاد السوري: بين محدودية أداء الإدارة النقدية والمالية ومآزق التمويل البديل "مقاربة نقدية من منظور سياساتي/استراتيجي مختلف"
تاريخ: الثلاثاء, July 31, 2018

يتطلب البحث في موضوع السياسة النقدية، التحليل والتدقيق في مجموعة من الإجراءات والتقنيات الاقتصادية النقدية، التي يصممها المصرف المركزي، ويستخدمها، للتحكم بإدارة النقد الوطني، سواء أكان في جانب عرض النقد، أم الطلب عليه. وهي إجراءات وأدوات تقنية، معروفة على مستوى النظرية النقدية والاقتصادية، تتراوح بين مستوى تدابير وإجراءات كمية، تتعلق باتجاهات تغيير أو تعديل سعر الفائدة، ومعدل الخصم، وسقف الاحتياطي القانوني، والعمليات المفتوحة من جهة، ومستوى إجراءات وتدابير رقابية نوعية، تتعلق بالضوابط النقدية، وبنية الائتمان، وسياسات التسليف القطاعية من جهة أخرى.
يتبين في جميع الأحوال، عن طريق تتبع سير الوقائع النقدية في الاقتصاد السوري، طوال عقودٍ من الزمن، أن الإدارة النقدية، لم تكن تاريخياً هي الأساس، وليست المتغير المستقل، ولم يخطط لها لأن تكون كذلك، بمقدار ما كانت متغيراً تابعاً، ومحكومة بخططٍ وحساباتٍ، تنسجم مع طبيعة التوجه أو الخيار الاقتصادي والسياسي التاريخي للاقتصاد السوري، الذي أنتج بنية اقتصادية، أو منظومة قللت من أهمية اللجوء لاستخدام أدوات السياسة النقدية، أو الرهان على دور استراتيجي لمصرف سورية المركزي كذراع فنية وتقنية، ما جعل المصرف يتحول إلى مؤسسة بيروقراطية، تُدار بأدوات تقليدية، كأي مؤسسة اقتصادية في الدولة السورية. ولذا لم تتعاط جميع الحكومات السورية، مع السياسة النقدية، كإحدى قاطرات الاقتصاد الاستراتيجية، بمقدار ما تعاطت معها بذات المنظور، الذي صاغت بواسطته الخطط والسياسات، على مستوى القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة. ما جعل الإطار العام لكلٍّ من السياسة النقدية، ولدور المصرف المركزي، يتصف تاريخياً، بالضعف والحياد. إذ بقيت أسعار الفائدة ثابتة لعقود طوال، بينما استمرت أدوات السياسة النقدية الأخرى، مُحيّده أو معطلة.
هذا وفي سبيل استعادة الدور، والرهان على وظيفة أكثر فعّالية للسياسة النقدية، وحيوية نشطة لمصرف سورية المركزي، ومختلف مكونات القطاع النقدي والمالي، اتجهت الدولة السورية في سياق ما عرف ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، منذ مطلع عام 2002 نحو الانفتاح بصورة أوسع على القطاع الخاص، بما فيه القطاع الخاص المصرفي، ولذا فقد انصبت الجهود في بعض جوانبها، على عملية إعادة الهيكلة للقطاع المالي والمصرفي، وعلى الآليات، التي يمكن أن تساعد في توسيع نطاق دور هذا القطاع، وتحويله إلى مساهم حقيقي في تحريك عجلة الاقتصاد السوري، وتعبئة المدخرات، وتحفيز النمو الاقتصادي، إلى جانب القطاع المصرفي الحكومي.
لكن الجهود والمحاولات، بقيت كما تبيّن النتائج، في حدود الشكليات والإجراءات فقط، التي لم تتناول مضمون السياسة النقدية في العمق، ولا كيفية تفعيل مختلف أدواتها الكمية والكيفية، وبالتالي ديناميات ربطها بصورة أكثر فاعلية، بغايات التنمية وأهدافها الاستراتيجية. إذ اقتصر الإصلاح على عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتطوير آليات العمل عن طريق منح التراخيص لمصارف خاصة وتسهيل عملية فتح الاعتمادات المستندية، وتحويل الأموال من وإلى البلد، وفتح مكاتب صرافة، واعتماد بعض أساليب التقنية في الدفع، واستخدام الصرافات، من كل ذلك إلى سياسة تسليف وائتمان توسعية طوال السنوات 2002-2010 غير مدروسة، من حيث المضمون أو البعد التنموي، شابها الكثير من التجاوزات وغير ذلك، من مظاهر الخلل والفساد، التي تسببت في إنتاج ملف القروض المتعثرة، بكتلة ديون، بلغت (282) مليار ل.س. ويعد هذا الملف في الواقع بكل المقاييس، من أضخم الملفات تعقيداً، وأكثرها لبساً والتباساً.
التعليقات
بوركت جهودك دكتور مدين
إضافة تعليق جديد